منوعات
أخر الأخبار

اللّقاء المسيحي تحت عباءة البطريرك… يفرمله “الحياد”

بين الموقف السياسي وصناعة القرار والمتغيّرات على الساحة الداخلية والاقليمية، تحاول بكركي في كل مرة برمجة سياسة خاصة بها مستمدة من موجات القلق التي تصيب المسيحيين في غمرة كل أزمة يواجهها لبنان. وفي حين يطفو الخوف الوجودي نتيجة تزايد الإحباط من التوترات والصراعات وتزايد حركة الهجرة يلجأ قاطن الصرح البطريركي إلى فرد عباءته وجمع جميع الأطراف المسيحيّة تحتها، لرصّ الصفوف وتبنّي موقف موحّد من القضايا الوطنية والإقليمية، لكنّ الحسابات السياسية تفرمل اللّقاء المنشود بسبب إعلان “الحياد اللبناني”.

الأفق اللّبناني مسدود حيث لا أمل بولادة قريبة للحكومة، وانهيار اقتصادي بغياب أي قدرة على إجراء إصلاحات، يبحث البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي عن نافذة ضوء لجمع الرؤى أقلّه في دائرته الرعائية. وفي هذا السياق يقدم الراعي جملة اقتراحات وتصوّرات للمّ الشمل المسيحي والوصول إلى موقف موحد يخرق جدار المراوحة السياسية.

 

جس نبض

الخطوة البطريركية الأولى التي سرّبت إلى الإعلام كانت جس نبض الأطراف المسيحية لجمع أقطابها الأربعة التيار الوطني الحر، حزب القوات اللّبنانية، تيار المردة وحزب الكتائب، بحثاً عن موقف موحّد حول القضايا الساخنة والتي تشهد مراوحة، أهمّها تشكيل حكومة تستطيع السير ببرنامج عمل إنقاذي يجنّب لبنان من الانهيار الكبير، والبدء بورشة الإصلاحات التي تعيد التوازن إلى شرايين الإدارات اللّبنانية لتقوم بواجباتها تجاه اللّبنانيين، كما تفيد مصادر قريبة من بكركي. ويعوّل البطريرك على إخراج المسيحيين من دوامة التناحر، ولو إلى حين، “والخروج أيضاً من وصاية احتراب القوى الخارجية على أرض لبنان والاتفاق على شكيل حكومة دون انتظار مبادرات ولا أوامر خارجية لا غربية ولا شرقية لينتظم العمل الدستوري والميثاقي”.

 

وما تقوله المصادر يتماهى مع ما قاله البطريرك الماروني في عظته الأحد بأنه “ليتَ جميعَ القياداتِ اللّبنانيّة، الروحيّةَ والرسميّةَ والسياسيّةَ والحزبيّة، تَستعيدُ مبادرةَ اللّقاءِ حولَ الثوابتِ الدستوريّةِ والميثاقيّةِ وتُلاقي وجعَ الناس وحاجةَ البلادِ إلى الخروجِ من أزمتِها العميقة”. لكن جمع الشمل دونه عقبات فبين القوات اللّبنانية والتيار الوطني الحر جملة عناوين تفرّق ولا تجمع حول العديد من القضايا. وفي حين أن الفكرة لم تتبلور بعد لجميع النواب المسيحيين، تفيد مصادر مطّلعة أن النقاش ما زال مستمراً فيما يؤكد مسؤول الإعلام في الصرح البطريركي ​​وليد غياض​​ باقتضاب للمستفسرين عن الدعوة البطريركية أن الوزير جبران باسيل أبدى استعداداً لتلبية دعوة البطريرك بشارة الراعي من دون شروط، فيما طلبت القوّات درس الموضوع أكثر وتحديد برنامج العمل”.

 

اندفاعة وتريث

يتجنب نواب التيار والقوات التعليق المباشر على الطرح البطريركي حتى تتبلور بنود اللّقاء وما ستقدمه كافة الأطراف على طاولة اللّقاء، لكنّ الطرفين ينوهان بدور بكركي الوطني الجامع وبمكانة الكنيسة لدى جمهور المؤمنين، ويثقان أن البطريرك يعمل لخلاص لبنان وحماية مسيحييه في زمن العاصفة.

لكن كلام العموميات لا يتفق مع بيدر الحسابات السياسية لكلا الطرفين لا سيما أن ثمة تباعد كبير بين التيار الوطني الحر والأطراف المسيحية الأخرى القوات والمردة والكتائب حول كافة الملفات والتراشق السياسي اليومي شاهد على ذلك.

وفي حين يلمّح بعض السياسيين إلى أن دعوة البطريرك إلى لقاء الأحزاب المسيحية الأربعة هو بناءً على رغبة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي يريد توسيع دائرة “الأصدقاء” وتقليص “الأعداء” من حوله لا سيما بعد ما تعرّض له من حملات تشويه وهجوم سواءً في لبنان أم في الغرب، نفت مصادر في التيار العوني ما يتم ترويجه.

وأكدّت المصادر أن بكركي هي التي بادرت لطرح إمكانية عقد لقاء بين النواب الموارنة المنتمين للتيار والقوات في البداية إلى أن تبلورت فكرة عقد لقاء يشمل نواب الأحزاب المسيحية للبحث في الخروج من الأزمة الحكومية وصياغة موقف موحد للتأليف.

وقالت المصادر العونية: “التيار الوطني الحر أبدى قبولاً لفكرة اللّقاء وأكّد على وقوفه وراء أي مسعى ترتأيه بكركي، وهذا ما يحرص عليه دوماً، وطالما تعاطى بإيجابية تجاه أي مبادرة مسيحية أم وطنية تطرحها بكركي”.

وأكدت على أنّ التيار لم ولن يفرض شروطاً على البطريرك وهو منفتح على كلّ ما من شأنه تأمين خروج اللّبنانيين من عنق الزجاجة، مشيرةً إلى أنّ شرط إعلان الحياد لا يمكن السير به، “التيار مؤيد لحياد لبنان عن الصراعات الخارجية ولكن كيف يكون بلداً محايداً ونحن أمام ملف دقيق وحساس للتفاوض مع إسرائيل حول ترسيم الحدود؟”.

وتساءل المصدر العوني “هل نقف على الحياد في هذا الوقت أم نقف بحزم إلى جانب رئيس الجمورية الذي يشرف على مفاوضات معقدة مع إسرائيل بدءاً من الأسبوع المقبل؟”.

لكن ميزان العونيين في مقاربة مبادرة بكركي لا يتوافق مع المكيال القواتي الذي أبدى تمنعاً لأي لقاء مع التيار الوطني الحر ما لم يتراجع عن مواقفه الداعمة لحزب الله وحمايته للسلاح. فبحسب مصدر قوّاتي مطلع أن “مبادرات بكركي موضع ترحيب دائم والحزب حريص على ما يجمع لا ما يفرق اللّبنانيين… ولكن لن نعيد التجربة التي رافقت انتخاب رئيس الجمهورية حين جمع البطريرك كل من ميشال عون وسمير جعجع وأمين الجميل وسليمان فرنجية”.

برأي القوات رئيس الجمهورية يعطي شرعية دستورية للسلاح غير الشرعي الذي يعرض أمن لبنان للمخاطر. وأن أي لقاء وحوار يجب أن يكون بنده الأساسي الموافقة على حياد لبنان عن الصراعات الإقليمية التي تجلب عليه الويلات من حصار وعقوبات وإلا فإن أي لقاء لن يكون ذي فائدة ترجى”.

وبين اندفاعة التيار وتريث القوات يصدر تيار المردة موقفاً واضحاً من إمكانية عقد اللّقاء المسيحي في بكركي. فقد رحبت عضو المكتب السياسي في تيار المردة فيرا يمين بالفكرة لكنّها لم تؤكد على نجاحها “نحن تحت مظلة بكركي ونلبي أي دعوة توجه إلينا ولا أعرف ما إذا كان اللّقاء الرباعي سينجح وسيصل إلى الخواتيم المُرضية لكن بالتأكيد أننا نلاقي بإيجابية كل ما تقوم به بكركي لتحويل الخلافات إلى خريطة عمل في مصلحة الوطن”، معتبرةً أن الدور الوطني يتراجع وليت الطوائف تتراجع فيتقدم الوطن.

ورأت يمين في حديث لـ “أحوال” أن “المطلوب التحلّي بالوعي في هذه المرحلة وضرورة أن يتحوّل المسؤول إلى مواطن والتحدّث بلغة واحدة وكل شخص يجب أن يُحاسب حسب إمكاناته وموقعه”.

كل من التيار الوطني الحر والقوات اللّبنانية يرى أن ثمة خطر داهم يتهدد لبنان، ومعه الوجود المسيحي. فالأزمة الاقتصادية تتسبب بالهجرة الكثيفة، وبالتالي تضاؤل في الحضور الشعبي والسياسي المسيحيين، وتصعّد الصراعات السياسية الدولية والإقليمية من حدّة الاضطراب المسيحي في لبنان. لكنّ الطرفين يفتقدان إلى عامل الثقة بالآخر، ويقيسان حرارة الأحداث السياسية بميزانين مختلفين ويبقى على بكركي إيجاد أرضية للقاء كل الأطراف.

“القوات تؤكد أن الدور التاريخي لبكركي دائماً ما يعيد الأمور إلى نصابها عند كل مفترق خطير، وهي حريصة على الثوابت اللّبنانية والتمسك بمرتكزات الدولة والكيان والحياد والدستور والعيش المشترك دون هيمنة ولا غلبة”. لكن كلا الطرفين يدركان أن الخلافات كبيرة وشاسعة ولا يمكن ردمها بهذه السهولة في ظل التعقيدات الخارجية والحصار والعقوبات الأميركية.

لا تتراجع بكركي عن سياستها الكلاسيكية وتحافظ على السقف الذي وضعته لكافة مواقفها وتجزم مصادرها بأنّ “بكركي لن تتأثّر بأيّ موقف سياسي، وهي مع المؤسسات الشرعية والإسراع في تأليف الحكومة”. وتشير المصادر من جهة أخرى، إلى أنّ محاولات لمّ الشمل المسيحي مستمرة “وبكركي متأهبة دائماً لجمع كافة الأطراف لتجنب الذهاب إلى جهنم”.

رانيا برو

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى